فصل: تفسير الآيات (34- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (30- 33):

{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)}
المعنى: قال هؤلاء المنذرون لما بلغوا قومهم {يا قومنا إنا سمعنا كتاباً} وهو القرآن العظيم، وخصصوا {موسى} عليه السلام لأحد أمرين: إما لأن هذه الطائفة كانت تدين بدين اليهود، وإما لأنهم كانوا يعرفون أن موسى قد ذكر محمداً وبشر به، فأشاروا إلى موسى من حيث كان هذا الأمر مذكوراً في توراته. قال ابن عباس في كتاب الثعلبي: لم يكونوا علموا أمر عيسى عليه السلام، فلذلك قالوا {من بعد موسى}. وقولهم: {مصدقاً لما بين يديه} يؤيد هذا. و: {ما بين يديه} هي التوراة والإنجيل. و{الحق} والطريق المستقيم هنا بمعنى يتقارب لكن من حيث اختلف اللفظ، وربما كان {الحق} أعم، وكأن أحدهما قد يقع في مواضع لا يقع فيها الآخر حسن التكرار. و: {داعي الله} هو محمد عليه السلام، والضمير في: {به} عائد على الله تعالى.
وقوله: {يغفر} معناه: يغفر الله. {ويجركم} معناه: يمنعكم ويجعل دونكم جوار حفظه حتى لا ينالكم عذاب.
وقوله تعالى: {ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز} الآية، يحتمل أن يكون من كلام المنذرين، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى لمحمد عليه السلام، والمراد بها إسماع الكفار وتعلق اللفظ إلى هذا المعنى من قول الجن: {أجيبوا داعي الله} فلما حكى ذلك قيل ومن لا يفعل هذا فهو بحال كذا، والمعجز الذاهب في الأرض الذي يبدي عجز طالبه ولا يقدر عليه، وروي عن ابن عامر: {وليس لهم من دونه} بزيادة ميم.
وقوله تعالى: {أو لم يروا} الضمير لقريش، وهذه آية مثل واحتجاج، لأنهم قالوا إن الأجساد لا يمكن أن تبعث ولا تعاد، وهم مع ذلك معترفون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض فأقيمت عليهم الحجة من أقوالهم. والرؤية في قوله: {أو لم يروا} رؤية القلب.
وقرأ جمهور الناس: {ولم يعْيَ} بسكون العين وفتح الياء الأخيرة. وقرأ الحسن بن أبي الحسن {يعِ} بكسر العين وسكون الياء وذلك على حذف.
والباء في قوله: {بقادر} زائدة مؤكدة، ومن حيث تقدم نفي في صدر الكلام حسن التأكيد بالباء وإن لم يكن المنفي ما دخلت على عليه كما هي في قولك: ما زيد بقائم كان بدل {أو لم يروا} أوليس الذي خلق.
وقرأ ابن عباس وجمهور الناس: {بقادر} وقرأ الجحدري والأعرج وعيسى وعمرو بن عبيد: {يقدر} بالياء على فعل مستقبل، ورجحها أبو حاتم وغلط قراءة الجمهور لقلق الباء عنده. وفي مصحف عبد الله بن مسعود {بخلقهن قادر}.
و: {بلى} جواب بعد النفي المتقدم، فهي إيجاب لما نفي، والمعنى: بلى رأوا ذلك أن لو نفعهم ووقع في قلوبهم، ثم استأنف اللفظ الإخبار المؤكد بقوله: {إنه على كل شيء قدير}.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}
المعنى: واذكر يوم، وهذا وعيد للكفار من قريش وسواهم. والعرض في هذه الآية، عرض مباشرة، كما تقولون عرضت الجاني على السوط. والمعنى يقال لهم أليس هذا العذاب حقاً وقد كنتم تكذبون به؟ فيجيبون: {بلى وربنا}، وذلك تصديق حيث لا ينفع، وروي عن الحسن أنه قال: إنهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون أنه العدل، فيقول لهم المحاور من الملائكة عند ذلك {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أي بسبب كفركم.
وقوله تعالى: {فاصبر} الفاء عاطفة هذه الجملة من الوصاة على هذه الجملة من الإخبار عن حال الكفرة في الآخرة، والمعنى بينهما مرتبط، أي هذه حالهم مع الله، فلا تستعجل أنت فيما حملته واصبر له ولا تخف في الله أحداً.
وقوله: {من الرسل} {من} للتبعيض، والمراد من حفظت له مع قومه شدة ومجاهدة كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم صلى الله عليهم، هذا قول عطاء الخراساني وغيره. وقال ابن زيد ما معناه: إن {من} لبيان الجنس. قال: والرسل كلهم {أولو العزم}، ولكن قوله: {كما صبر أولو العزم} يتضمن رسلاً وغيرهم، فبين بعد ذلك جنس الرسل خاصة تعظيماً لهم، ولتكون القدوة المضروبة لمحمد عليه السلام أشرف، وذكر الثعلبي هذا القول عن علي بن مهدي الطبري. وحكي عن أبي القاسم الحكيم أنه قال: الرسل كلهم أولو عزم إلا يونس عليه السلام وقال الحسن بن الفضل: هم الثمانية عشر المذكورين في سورة الأنعام، لأنه قال بعقب ذكرهم {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]. وقال مقاتل هم ستة: نوح صبر على أذى قومه طويلاً، وإبراهيم صبر للناس، وإسحاق صبر نفسه للذبح، ويعقوب صبر على الفقد لولده وعمي بصره وقال: {فصبر جميل} [يوسف: 83]، ويوسف على السجن وفي البئر، وأيوب صبر على البلاء.
قال القاضي أبو محمد: وانظر أن النبي عليه السلام قال في موسى: «يرحم الله موسى، أوذي بأكثر من هذا فصبر» ولا محالة أن لكل نبي ورسول عزماً وصبراً.
وقوله: {ولا تستعجل لهم} معناه لا تستعجل لهم عذاباً، فإنهم إليه صائرون، ولا تستطل تعميرهم في هذه النعمة، فإنهم يوم يرون العذاب كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة لاحتقارهم ذلك، لأن المنقضي من الزمان إنما يصير عدماً، فكثيره الذي ساءت عاقبته كالقليل.
وقرأ أبي بن كعب {ساعة من النهار}. وقرأ جمهور القراء والناس: {بلاغٌ} وذلك يحتمل معاني، أحدها: أن يكون خبر ابتداء، المعنى: هذا بلاغ، وتكون الإشارة بهذا إلى القرآن والشرع، أي هذا إنذار وتبليغ، وإما إلى المدة التي تكون كساعة كأنه قال: {لم يلبثوا إلا ساعة} كانت بلاغهم، وهذا كما تقول: متاع قليل ونحوه من المعنى.
والثاني: أن يكون ابتداء والخبر محذوف. والثالث: ما قاله أبو مجلز فإنه كان يقف على قوله: {ولا تستعجل} ويقول: {بلاغٌ} ابتداء وخبره متقدم في قوله: {لهم} وقدح الناس في هذا القول بكثرة الحائل. وقرأ الحسن بن أبي الحسن، وعيسى: {بلاغاً}، وهي قراءة تحتمل المعنيين اللذين في قراءة الرفع، وليس يدخلها قول أبي مجلز ونصبها بفعل مضمر. وقرأ أبو مجلز وأبو سراج الهذلي: {بلِّغ}، على الأمر. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {بلاغٍ} بالخفض نعتاً ل {نهار}.
وقرأ جمهور الناس: {فهل يُهلَك} على بناء الفعل للمفعول. وقرأ بعضهم فيما حكى هارون: {فهل يَهلِك} ببناء الفعل للفاعل وكسر اللام، وحكاها أبو عمرو عن الحسن وابن محيصن: {يَهلَك} بفتح الياء واللام. قال أبو الفتح: وهي مرغوب عنها. وروى زيد بن ثابت عن النبي عليه السلام: «فهل يُهلِك» بضم الياء وكسر اللام {إلا القوم الفاسقين} بالنصب.
وفي هذه الألفاظ وعيد محض وإنذار بين، وذلك أن الله تعالى جعل الحسنة بعشر امثالها والسيئة بمثلها، وأمر بالطاعة ووعد عليها بالجنة، ونهى عن الكفر وأوعد عليه بالنار، فلن يهلك على الله إلا هالك كما قال صلى الله عليه وسلم. قال الثعلبي: يقال إن قوله: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} أرجى آية في كتاب الله تعالى للمؤمنين.

.سورة محمد:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}
قوله تعالى: {الذين كفروا} الآية، إشارة إلى أهل مكة الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {والذين آمنوا} الآية إشارة إلى الأنصار أهل المدينة الذين آووه، وفي الطائفتين نزلت الآيتان، قاله ابن عباس ومجاهد، ثم هي بعد تعم كل من دخل تحت ألفاظها. وقوله: {وصدوا} يحتمل أن يريد الفعل المجاوز، فيكون المعنى: {وصدوا} غيرهم، ويحتمل أن يكون الفعل غير متعد، فيكون المعنى: {وصدوا} أنفسهم. و: {سبيل الله} شرعه وطريقه الذي دعا إليه.
وقوله: {أضل أعمالهم} أي أتلفها، لم يجعل لها غاية خير ولا نفعاً، وروي أن هذه الآية نزلت بعد بدر، وأن الإشارة بقوله: {أضل أعمالهم} هي إلى الإنفاق الذي أنفقوه في سفرتهم إلى بدر، وقيل المراد بالأعمال: أعمالهم البرة في الجاهلية من صلة رحم ونحوه، واللفظ يعم ذلك.
وقرأ الناس: {نُزّل} بضم النون وشد الزاي. وقرأ الأعمش: {أنزل} معدى بالهمزة وقوله تعالى: {وأصلح بالهم} قال قتادة معناه: وأصلح حالهم. وقرأ ابن عباس {أمرهم}. وقال مجاهد: شأنهم.
وتحرير التفسير في اللفظة أنها بمعنى الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب، فإذا صلح ذلك صلحت حاله، فكأن اللفظة مشيرة إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع، فقولك: خطر في بالي كذا، وقولك: أصلح الله بالك: المراد بهما واحد، ذكره المبرد. والبال: مصدر كالحال والشأن، ولا يستعمل منها فعل، وكذلك عرفه أن لا يثنى ولا يجمع، وقد جاء مجموعاً لكنه شاذ، فإنهم قالوا بالات.
وقوله تعالى: {ذلك بأن الذين كفروا} الإشارة إلى هذه الأفعال التي ذكر الله أنه فعلها بالكفار وبالمؤمنين. و: {الباطل} الشيطان وكل ما يأمر به، قاله مجاهد. و: {الحق} هنا هو الشرع ومحمد عليه السلام.
وقوله: {كذلك} يبين أمر كل فرقة ويجعل لها ضربها من القول وصنفها. وضرب المثل مأخوذ من الضريب والضرب الذي هو بمعنى النوع.

.تفسير الآيات (4- 9):

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}
قال ابن عباس وقتادة وابن جريج والسدي: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف التي في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وإن الأسر والمن والفداء مرتفع، فمتى وقع أسر فإنما معه القتل ولا بد، وروي نحوه عن أبي بكر الصديق. وقال ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء ما معناه: إن هذه الآية محكمة مبينة لتلك، والمن والفداء ثابت، وقد منَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمامة بن أثال، وفادى أسرى بدر، وقاله الحسن، وقال: لا يقتل الأسير إلا في الحرب، يهيب بذلك على العدو. وكان عمر بن عبد العزيز يفادي رجلاً برجل، ومنع الحسن أن يفادوا بالمال. وقد أمر عمر بن عبد العزيز بقتل أسير من الترك ذكر له أنه قتل مسلمين. وقالت فرقة: هذه الآية خصصت من الأخرى أهل الكتاب فقط، ففيهم المن والفداء، وعباد الأوثان ليس فيهم إلا القتل. وعلى قول أكثر العلماء الآيتان محكمتان. وقوله هنا: {فضرب الرقاب} بمثابة قوله هناك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وصرح هنا بذكر المن والفداء، ولم يصرح به هنالك، وهو مراد متقرر، وهذا هو القول القوي.
وقوله: {فضرب الرقاب} مصدر بمعنى الفعل، أي فاضربوا رقابهم وعين من أنواع القتل أشهره وأعرفه فذكره، والمراد: اقتلوهم بأي وجه أمكن، وقد زادت آية: {واضربوا منهم كل بنان} [الأنفال: 12] وهي من أنكى ضربات الحرب، لأنها تعطل من المضروب جميع جسده، إذ البنان أعظم آلة المقاتل وأصلها. و: {أثخنتموهم} معناه: بالقتل. والإثخان في القوم: أن يكثر فيهم القتلى والجرحى، والمعنى: فشدوا الوثاق بمن لم يقتل ولم يترتب عليه إلا الأسر. و: {مناً} و: {فداء} مصدران منصوبان بفعلين مضمرين. وقرأ جمهور الناس: {فداء}. وقرأ شبل عن ابن كثير: {فدى} مقصوراً.
وإمام المسلمين مخير في أسراه في خمسة أوجه: القتل، أو الاسترقاق، أو ضرب الجزية، أو الفداء، أو المن. ويترجح النظر في أسير أسر بحسب حاله من إذاية المسلمين أو ضد ذلك.
وقوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} معناه: حتى تذهب وتزول أثقالها. والأوزار: الأثقال فيها والآلات لها، ومنه قول الشاعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
[المتقارب]
وأعددت للحرب أوزارها ** رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا

وقال الثعلبي: وقيل الأوزار في هذه الآية: الآثام، جمع وزر، لأن الحرب لابد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين.
واختلف المتأولون في الغاية التي عندها {تضع الحرب أوزارها}، فقال قتادة: حتى يسلم الجميع فتضع الحرب أوزارها. وقال حذاق أهل النظر: حتى تغلبوهم وتقتلوهم.
وقال مجاهد حتى ينزل عيسى ابن مريم.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر الآية أنها استعارة يراد لها التزام الأمر أبداً، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها، فجاء هذا كما تقول: أنا أفعل كذا إلى يوم القيامة، فإنما تريد: إنك تفعله دائماً.
وقوله تعالى: {ذلك} تقديره: الأمر ذلك. ثم قال: {ولو يشاء الله لانتصر منهم} أي بعذاب من عنده يهلكهم به في حين واحد، ولكنه تعالى أراد اختبار المؤمنين وأن يبلو بعض الناس ببعض.
وقرأ جمهور الناس: {قاتلوا} وقرأ عاصم الجحدري بخلاف عنه: {قَتَلوا} بفتح القاف والتاء. وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم والأعرج وقتادة والأعمش: {قُتِلوا} بضم القاف وكسر التاء. وقرأ زيد بن ثابت والحسن والجحدري وأبو رجاء: {قُتِّلوا} بضم القاف وكسر التاء وشدها، والقراءة الأولى أعمها وأوضحها معنى. وقال قتادة: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم أحد من المؤمنين.
وقوله تعالى: {سيهديهم} أي إلى طريق الجنة، وقد تقدم القول في إصلاح البال. وروى عباس بن المفضل عن أبي عمرو: ويدخلهم بسكون اللام. وفي سورة [التغابن] {يوم يجمعكم} [التغابن: 9] وفي سورة [الإنسان] {إنما نطعمكم} [الإنسان: 9] بسكون العين والميم.
وقوله تعالى: {عرفها لهم} قال أبو سعيد الخدري وقتادة معناه: بينها لهم، أي جعلهم يعرفون منازلهم منها، وفي نحو هذا المعنى هو قول النبي عليه السلام: «لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا» وقالت فرقة معناه: سماها لهم ورسمها، كل منزل باسم صاحبه، فهذا نحو من التعريف. وقالت فرقة معناه: شرفها لهم ورفعها وعلاها، وهذا من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها، ومنه أعراف الخيل. وقال مؤرج وغيره معناه: طيبها مأخوذ من العرف، ومنه طعام معرف، أي مطيب. وعرفت القدر: طيبتها بالملح والتابل.
وقوله تعالى: {إن تنصروا الله} فيه حذف مضاف، أي دين الله ورسوله، والمعنى: تنصروه بجدكم واتباعكم وإيمانكم {ينصركم} بخلق القوة لكم والجرأة وغير ذلك من المعاون.
وقرأ جمهور الناس: {ويثبّت} بفتح التاء المثلثة وشد الباء. وقرأ المفضل عن عاصم: {ويثْبِت} بسكون الثاء وتخفيف الباء، وهذا التثبيت هو في مواطن الحرب على الإسلام، وقيل على الصراط في القيامة.
وقوله تعالى: {فتعساً لهم} معناه: عثاراً وهلاكاً فيه، وهي لفظة تقال للعاثر إذا أريد به الشر، ومنه قول الشاعر: [المنسرح]
يا سيدي إن عثرت خذ بيدي

ولا تقل: لا، ولا تقل تعسا.
وقال الأعشى: [البسيط]
بذات لوت عفرناة إذا عثرت ** فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

ومنه قول أم مسطح لما عثرت في مرطها: تعس مسطح. قال ابن السكيت: التعس أن يخر على وجهه. و: {تعساً} مصدر نصبه فعل مضمر.
وقوله تعالى: {كرهوا ما أنزل الله} يريد القرآن. وقوله: {فأحبط أعمالهم} يقتضي أن أعمالهم في كفرهم التي هي بر مقيدة محفوظة، ولا خلاف أن الكافر له حفظة يكتبون سيئاته.
واختلف الناس في حسناتهم، فقالت فرقة: هي ملغاة يثابون عليها بنعم الدنيا فقط. وقالت فرقة: هي محصاة من أجل ثواب الدنيا، ومن أجل أنه قد يسلم فينضاف ذلك إلى حسناته في الإسلام، وهذا أحد التأويلين في قول النبي عليه السلام لحكيم بن حزام: «أسلمت على ما سلف لك من خير». فقوم قالوا تأويله: أسلمت على أن يعد لك ما سلف من خير، وهذا هو التأويل الذي أشرنا إليه. وقالت فرقة معناه: أسلمت على إسقاط ما سلف لك من خير، إذ قد ثوبت عليه بنعم دنياك. وذكر الطبري أن أعمالهم التي أخبر في هذه الآية بحبطها: عبادتهم الأصنام وكفرهم. ومعنى: {أحبط} جعلها من العمل الذي لا يزكو ولا يعتد به، فهي لذلك كالذي أحبط.